لا تطرونــي كما اطرت النصارى ابن مريم
بســــم الله الرحمن الرحيــــم
الحمد لله الذي يحب ان يحمد بكل لسان، الحمد لله الذي لم يزل بالإنعام منعما وبالجود موصوفا وبالإحسان محسنا، جواد لا يبخل وغني لا يفتقر يبتديء بالإحسان قبل السؤال .
تعالى الله كل يوم هو في شأن يكشف كربا ويغفر ذنبا ويغيث ملهوفا ويجبر كسيرا، وصلى الله وسلم على محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق والناصر الحق بالحق والهادي إلى الصراط المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم وسلم تسليما كثيرا .
وبعد:
بالنسبة لمن يكثر من المديح للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يراه البعض بأنه كإطراء النصارى لنبيهم عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فهؤلاء القوم قد حرموا حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمدح به، وكيف لا يمتدح عليه الصلاة والسلام وقد سبقنا إلى ذلك الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، إما بشعر أو بنثر .
ومنهم رضي الله عنهم من أشتهر بالمديح له وهو سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه حيث أن له قصائد كثيرة تدل على ذلك، كما مدحه عبدالله بن رواحة رضي الله عنه كذلك والعباس بن عبدالمطلب وعبدالله بن الزبعري وقيس بن بحر الأشجعي و العباس بن مرداس السلمي والسيدة أم المؤمنين عائشة وكعب بن مالك رضي الله عنهم أجمعين .
اكل هؤلاء يطرونه كما أطرت النصارى نبيهم؟!!
سبحانك هذا بهتانٌ عظيم .
لقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبدالله ورسوله)) .
قال العيني في عمدة القاري (16/37) ما نصه:
" هو من الإطراء وهو المديح بالباطل، تقول: أطريت فلانًا مدحته فأطريت في مدحه، وقيل: الإطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه "
يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه:
" قال ابن الجوزي: لا يلزم من النهي عن شيء وقوعه لأنَّا لا نعلم أحدا ادَّعى في نبينا ما ادعته النصارى في عيسى، إنما سبب النهي فيما يظهر ما وقع في حديث معاذ بن جبل لما استأذن في السجود له فامتنع ونهاه، فكانه خشي أن يبالغ غيره بما هو فوق ذلك فبادر إلى النهي تأكيدا للأمر .
وقال ابن تين: معنى قوله ( لاتطروني) لا تمدحوني كمدح النصارى حتى غلا بعضهم في عيسى فجعله إلها مع الله، وبعضهم ادعى أنه هو الله، وبعضهم أدعى أنه ابن الله ثم أردف النهي بقوله ( أنا عبدالله ) ".
فتح الباري (12/18) .
هذا نص الحديث وهذا شرحه الصحيح الذي يحاول البعض تحريف معناه إلى النهي في مدح الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث يأولونه إلى غير وجهه الصحيح وأن كل من مدح النبي وغالى في مدحه بخصائص تفوق خصائص البشر يكون قد انحرف وخالف سنة سيد الأولين والآخرين ... وهذا كله فهم خاطيء .
فعليكم عباد الله ألا تصغوا إلى كلام المغرضين وعليكم بكتب العلماء الأجلاء ولا تلتفتوا إلى من خرج من السفهاء هذه الأيام ممن يتزينون بزي العلماء ويفتي عن جهل فيحرم ويحلل بلا علم فقد ضل وأضل الناس، أوكلما حفظ رجل حديثين أو سورتين أصبح محدث أو فقيه أو مفتي؟!!
عليكم بما قال علمائنا وأسلافنا من السلف والخلف وممن ورثوا علمهم المتقنين بفنونها فما أكثرهم فتمسكوا بهم واحذروا المنخدين بهؤلاء المتعالمين وليسوا بعلماء كثيري التفسق لغيرهم وكثيري التكفير لمن خالفهم نسأل الله العفوا والعافية .
فقد تبين الحديث ومعناه الحقيقي بما لا يدع مجالا للشك في معناه وما كان يعنيه صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا .
واختم كلامي هذا بشعر سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه حيث قال وهو يمدح خير الأنام محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
وأحسن منك لم تر قط عيني ... وأجمل منك لم تلد النساءُ
خلقـت مبرءًا من كل عيـب ... كأنــك خلقت كما تشـاءُ
والحمد لله رب العالمين .