موضوع: سيرة سيدى عبدالرحيم القنائى
--------------------------------------------------------------------------------
ولد عبد الرحيم القنائى فى مدينة ترغاى بإقليم سبتة فى المغرب الأقصى سنة 521 هجرية وقد نشأ هناك وترعرع، فقد أمضى طفولته فى تحصيل العلم فى جامع ترغاى الكبير على يد والده كما تتلمذ على كبار العلماء فلم يكد يصل الثامنة من عمره حتى كان قد حفظ القرآن الكريم وجوده تلاوة وفهما، وتوفى والده فى الثامنة عشرة من عمره. وكان رضى الله عنه يحب والده حبا عميقا ويرى فيه المثل الأعلى والقدوة الحسنة، لذلك فقد تأثرت صحته وساءت حالته النفسية بسبب وفاته فمرض مرضا شديدا حتى أصبح شفاؤه ميئوسا منه ، مما جعل والدته العربية تفكر فى إرساله إلى أخواله فى دمشق. وفعلا رحل عبد الرحيم إلى دمشق حيث التقى هناك بأخواله وأهل والدته الذين أكرموا وفادته وسهلوا له مهمة الاتصال بكبار العلماء والفقهاء هناك. وقد أمضى فى دمشق سنتين نهل فيهما من علوم المشارقة كما تفقه فى علوم المغاربة، ثم شده الحنين إلى العودة إلى مسقط رأسه فشد رحاله إلى ترغاى حيث أهله وعشيرته وكان قد بلغ فى ذلك الوقت العشرين من عمره.
وقد كان لامتزاج الثقافتين الشرقية والغربية أثرهما فى نفس عبد الرحيم فقد خلقت منه شخصية مصقولة متكاملة رغم حداثة سنه، فقد دعى ابن العشرين ليحضر حلقات الدرس فى الجامع لا كتلميذ بل كمدرس، حل محل والده، فامتلأ المسجد حتى لم يعد فيه مكان لقادم، إذ لم يقتصر الأمر على أهل ترغاى بل وعلى أهالى منطقة سبتة كلها الذين أتوا ليروا ابن شيخهم الذى وفد إليهم من دمشق وليستمعوا إلى المعلم الذى جمع بين ثقافتى المغرب والمشرق وليروا أثر ذلك مع ابن العشرين. وقد أمضى عبد الرحيم خمس سنوات فى ترغاى يقوم بمهمة الوعظ والإرشاد عن واجبات المسلم نحو ربه ومجتمعه بأسلوب ساحر أخّاذ أبكى المستمعين تأثرا وإعجابا. على أن أحداث المشرق فى ذلك الوقت من تكتل قوى الاستعمار الأوروبى المقنع تحت اسم الصليب، للهجوم على بلاد المشرق واستعمارها كانت تشد تفكيره بقوة إلى المشرق حيث كان يرى وجوب تكتل كل قوى المفكرين من المسلمين لحماية الدول الإسلامية وتعبئ كل القوى المادية والمعنوية لحمايتها من التفكك والضعف والانحلال الذى أوشك أن يصيبها. وفى تلك الأثناء توفيت والدته، الأمر الذى جعله بالإضافة إلى الأسباب السابقة، أن يفكر فى الرحيل إلى المشرق، فرحل من ترغاى ميمنا وجهه شطر الحجاز لتأدية فريضة الحج، وفى طريقه مر بمدينة الإسكندرية والقاهرة فتركا فى نفسه أثرا لم تمحه رحلته المقدسة إلى البلاد الحجازية. وبقى فى البلاد الحجازية تسع سنوات قضاها متنقلا بين مكة والمدينة ينهل من علم وفضل فقهائها وعلمائها تارة وعابدا معتكفا بالبيت الحرام أو بمسجد المدينة تارة أخرى أو متنقلا يسعى فى مناكبها للاتجار فى بعض المحاصيل سعيا وراء كسب الرزق حتى يستطيع التفرغ للعبادة والعلم دون أن يمد يده للاستجداء أو أن يكون عالة على أحد. حتى إذا كان موسم الحج العاشر، التقى بمكة بأحد الشيوخ الأتقياء الورعين القادمين من مدينة قوص عاصمة صعيد مصر فى ذلك الوقت وهو الشيخ مجد الدين القشيرى، ودار بينهما حديث فتعارف فألفه وأصر