مولانا الإمام الشيخ عبدالغني صالح الجعفري رضي الله عنه
الشجـرة الطيبة :
وأغلى ما خلّفه شيخنا- رضي الله تعالى عنه- تلك الشجرة الطيبة التي غرسها بيده، وسقاها من مدده،
وتعهدها بتربيته، وشملها بنفحاته وبركاته وحبه ورضاه: أبناؤه البررة، خلفاؤه الأوفياء، تلاميذه الأتقياء، أهل الحب والصفاء الذين ورثوه علمًا وعملاً، وورثوه تقوى وصلاحًا، وورثوه زهدًا وعزة، وورثوه صفاءً ونقاءً، وورثوه طريقة وذكرًا، وورثوه صلة واتصالا، وورثوه رحمة ومودة، وورثوه نورًا ملأ الأفق ضوؤه وسناه، وورثوه خلفاً عظيمًا لسلف عظيم، فكانوا خير خلف لخير سلف..
وقفة.. كانت في ليلة من ليالي ذكرى المولد الجعفري:
سيدي الإمام وقفة الإعظام والإكبار أمام اسمك العظيم: نعزه ونجله ما عشنا أيام الدنيا إلى أن نلقاك.. وعزاؤنا إن فقدناك أنك حي بذكراك، وإن غبت عنا بجسمك فقد بقيت بيننا سجاياك وروحك الطاهرة تطل علينا من رحابك الطاهر بنورانية إشراقاتك، وتجليات نفحاتك، ترفرف فوقنا، وتبارك جمعنا.
ولقد أعلى الله قدرك، ونشر ذكرك وأبقى أثرك: ففي قلب قاهرة المعز، وعلى جبل الدراسة الأشم، وفي حديقة الخالدين: مسجد تعلو منارته، ومقام تسمو قبته تعانق سماء القاهرة.. لأي ولىّ هذا ؟! ولأي عالم هذا ؟! ولأي شريف هذا؟! إنه مسجد الجعفري، ومقام الجعفري، ومركز الجعفري الإسلامي، ودار الجعفري الخيري، وعيادة الجعفري العمومية، ودار الجعفري للمناسبات.. وغير ذلك من دور الخير والبر..
بل انتشر الخير وعم النفع فأصبح هنالك ما يزيد عن الستين مسجدًا وساحة تحمل اسم الجعفري على امتداد الجمهورية من الإسكندرية إلى أسوان وقد تجاوزت القطر المصري إلى لبيبا الشقيق وإلى ماليزيا.
فإذا كانت الآثار تحكى عظمة أصحابها فما أدل هذه الآثار العظيمة الخالدة على عظمة الجعفري، خلود ذكره (وما عند الله خير وأبقى)
ألا رحم الله إمامنا وشيخنا رحمة واسعة، ورضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه، ونفعنا الله وإياكم بعلومه وأكرمنا بمحبته ورضاه.
أساس طريقنا ... الحب في الله منهج القرب :
اجتماعنا في الطريق الجعفري يذكرنا بالحديث القدسي الذي رواه عبادة بن الصامت- رضي الله عنه. عن النبي . صلى الله عليه وآله وسلم- عن رب العزة- سبحانه- (حقت محبتي للمتحابين فيّ وحقت محبتي للمتباذلين في000)
من أجل هذا بني الإمام الجعفري. رضي الله تعالى عنه- طريقه على الحب في الله، وضرب لأبنائه المثل والقدوة فى التواصل والتزاور والتباذل...
كما يذكرنا هذا. أيضًا. بما روى عن عمر بن الخطاب. رضي الله عنه. من أن رسول الله. صلى الله عليه وآله وسلم. خرج عليهم وهم جلوس، وقال لهم: «إن من عباد الله لأناسًا، ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله... قالوا: يا رسول الله: فخبرنا من هم؟ قال: «هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها... فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس» وقرأ هذه الآية (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
وهكذا يعيش المتحابون في جلال من نور الله.. يجلو لهم ظلمات الحياة، فتسطع عليهم أنوار الحب، ويجلسون على بساط القُرب، وُترفع عنهم الحجب والأستار، وتلوح لهم الأنوار والأسرار، فيرن بقلوب الحب ما لا يراه المبصرون.
الحب في الله أساس المجتمع الصالح:
يقول شيخنا. رضي الله تعالى عنه.:
الحب في الله شىءٌ لا نظير لـه صبرًا على الناس لا حولُ لإنسان
فالحب أسمى وأكرم نعمة أنعم الله بها على عباده المؤمنين، وهو الرباط الأعظم الذي يجمع بين أفراد المجتمع المسلم، القائم على المودة والتآلف بوشائج التزاور والتباذل.
والمحبة: هي الحصن الحصين الذي يأوي إليه أفراد المجتمع الطيب حين تلوح فى آفاقهم سحب الخلاف، فيعود إليهم الصفاء والنقاء والطهر، والمحبون يعذر بعضهم بعضاً تحليًا بالأثر الوارد: (أعقل الناس أعذرهم للناس).
والمحبون: يعفو بعضهم عن بعض يتلقون أمر الله عز وجل: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين(133) الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)((سورة آل عمران :133)).
والمحبون: يبتسم بعضهم في وجوه بعض عندما يسمعون قول الرسول- صلى الله عليه و آله وسلم-: (وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق)... [رواه أحمد].
والمحبون: يطهرون قلوبهم من سوء الظن والحسد والضغينة حين يسمعون قول الرسول الكريم- صلى الله عليه وآله وسلم-: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم) رواه مسلم
سمو الحب في الله عن الدنايا:
الحب الذي يربط بين المتحابين في الله إنما هو مظهر لتلاقى الأرواح في عالم الأزل... مصداقًا لقول الرسول العظيم- صلى الله عليه وآله وسلم-: (الأرواح جنودٌ مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) [رواه البخاري].
وهذا الائتلاف إنما هو أثر من آثار قدرة الله. عز وجل. التي جمعت بين هذه القلوب كما أخبر الله- عز
وجل. عن ذلك: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم)(( سورة الأنفال:63)) من أجل هذا يجب أن يعيش المتحابون في إطار هذا المحيط الطاهر، فيجتمعون على ما يرضى الله من القول الطيب، والعمل الصالح، ويتعاونون على البر والتقوى، ويتواصون بالحق الذي هو دستور المجتمع الصالح، ويتواصون بالصبر الذي فيه علاج ما يصيب هذا المجتمع من أمراض...
والحب في الله يذيب الفوارق الدنيوية التي بين المتحابين: فلا كبر، ولا فخر، ولا ترفُع.. عملاً بقوله. صلى الله عليه وآله وسلم.: (إن الله أوحى إلىَ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد) [رواه مسلم].
وهذا يتكامل مع وجوب حفظ الحقوق الشرعية بتكريم من أمر الشرع بتكريمه، والأدب مع من قضت السنة بتفضيله امتثالاً لقوله. صلى الله عليه وآله وسلم.: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه).
كما يجب أن ينزه مجتمع المتحابين في الله عن طلب المنافع الدنيوية من جاه، ومنصب، ومال.. وأن يترفع أبناؤه عن الحظوظ النفسية من حب الظهور والشهرة والأنانية حتى يدوم هذا الحب ويخلد في سجل المحبين، إذ ( ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل)